فصل: تفسير الآيات (29- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (8- 14):

{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11) اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)}
{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا} قال مقاتل: من القرآن، {شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وذكر بلفظ الجمع ردا إلى {كل} في قوله: {لكل أفاك أثيم}.
{مِنْ وَرَائِهِمْ} أمامهم، {جَهَنَّمُ} يعني أنهم في الدنيا ممتعون بأموالهم ولهم في الآخرة النار يدخلونها، {وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا} من الأموال، {شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} ولا ما عبدوا من دون الله من الآلهة، {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
{هَذَا} يعني هذا القرآن، {هُدًى} بيان من الضلالة، {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ}.
{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ} ومعنى تسخيرها أنه خلقها لمنافعنا. فهو مسخر لنا من حيث إنا ننتفع به، {جَمِيعًا مِنْهُ} فلا تجعلوا لله أندادًا، قال ابن عباس: {جميعًا منه}، كل ذلك رحمة منه. قال الزجاج: كل ذلك تفضل منه وإحسان. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} أي لا يخافون وقائع الله ولا يبالون نقمته، قال ابن عباس ومقاتل: نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وذلك أن رجلا من بني غفار شتمه بمكة فهم عمر- رضي الله تعالى عنه- أن يبطش به، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يعفو عنه.
وقال القرظي والسدي: نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين، من قبل أن يؤمروا بالقتال، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال. {لِيَجْزِيَ قَوْمًا} قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي {لنجزي} بالنون، وقرأ الآخرون بالياء، أي ليجزي الله، وقرأ أبو جعفر {ليجزي} بضم الياء الأولى وسكون الثانية وفتح الزاي، قال أبو عمرو: وهو لحن، قال الكسائي: معناه ليجزي الجزاء قومًا، {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

.تفسير الآيات (15- 18):

{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18)}
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ} التوراة، {وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} الحلالات، يعني المن والسلوى، {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي عالمي زمانهم، قال ابن عباس لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم.
{وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأمْرِ} يعني العلم بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وما بين لهم من أمره، {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ} يا محمد {عَلَى شَرِيعَةٍ} سنة وطريقة بعد موسى، {مِنَ الأمْرِ} من الدين، {فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} يعني مراد الكافرين، وذلك أنهم كانوا يقولون له: ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك، فقال جل ذكره: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}.

.تفسير الآيات (19- 22):

{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (22)}
{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئًا إن اتبعت أهواءهم، {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}.
{هَذَا} يعني القرآن، {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} معالم للناس في الحدود والأحكام يبصرون بها، {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.
{أَمْ حَسِبَ} بل حسب {الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} اكتسبوا المعاصي والكفر {أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} نزلت في نفر من مشركي مكة، قالوا للمؤمنين: لئن كان ما تقولون حقًا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا. {سَوَاءً مَحْيَاهُمْ} قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب: {سواء} بالنصب، أي: نجعلهم سواء، يعني: أحسبوا أن حياة الكافرين {وَمَمَاتُهُمْ} كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء والخبر أي محياهم ومماتهم سواء فالضمير فيهما يرجع إلى المؤمنين والكافرين جميعًا، معناه: المؤمن مؤمن محياه ومماته أي في الدنيا والآخرة، والكافر كافر في الدنيا والآخرة، {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس ما يقضون، قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يركع بها ويسجد ويبكي. {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآية.
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}.

.تفسير الآيات (23- 24):

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (24)}
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} قال ابن عباس والحسن وقتادة: ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه، فلا يهوى شيئًا إلا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه، ولا يحرم ما حرم الله. وقال آخرون: معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما تهواه نفسه.
قال سعيد بن جبير: كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة، فإذا وجدوا شيئًا أحسن من الأول رموه أو كسروه، وعبدوا الآخر.
قال الشعبي: إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار.
{وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} منه بعاقبة أمره، وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه، {وَخَتَمَ} طبع، {عَلَى سَمْعِهِ} فلم يسمع الهدى، {وَقَلْبِهِ} فلم يعقل الهدى، {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} قرأ حمزة والكسائي {غشوة} بفتح الغين وسكون الشين، والباقون {غشاوة} ظلمة فهو لا يبصر الهدى، {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} أي فمن يهديه بعد أن أضله الله، {أَفَلا تَذَكَّرُونَ}.
{وَقَالُوا} يعني منكري البعث، {مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي ما الحياة إلا حياتنا الدنيا، {نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يموت الآباء ويحيا الأبناء، وقال الزجاج: يعني نموت ونحيا، فالواو للاجتماع، {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} أي وما يفنينا إلا مَرُّ الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار. {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ} الذي قالوه، {مِنْ عِلْمٍ} أي لم يقولوه عن علم علموه {إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ}.
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي، أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن همام بن منبه، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر، أرسل الليل والنهار، فإذا شئت قبضتهما».
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري، حدثنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز، أخبرنا محمد بن زكريا العذافري، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أيوب عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر، ولا يقولن للعنب الكرم، فإن الكرم هو الرجل المسلم».
ومعنى الحديث: أن العرب كان من شأنهم ذم الدهر، وسبه عند النوازل، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر، وأبادهم الدهر، كما أخبر الله تعالى عنهم: {وما يهلكنا إلا الدهر} فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها، فكان مرجع سبهم إلى الله عز وجل، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر، فنهوا عن سب الدهر.

.تفسير الآيات (25- 28):

{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أي ليوم القيامة، {لا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} يعني الكافرين الذين هم أصحاب الأباطيل، يظهر في ذلك اليوم خسرانهم بأن يصيروا إلى النار.
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} باركة على الركب، وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء.
قال سلمان الفارسي: إن في القيامة ساعة هي عشر سنين، يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إبراهيم عليه السلام ينادي ربه: لا أسألك إلا نفسي.
{كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} الذي فيه أعمالها، وقرأ يعقوب {كل أمة} نصب، ويقال لهم: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

.تفسير الآيات (29- 32):

{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)}
{هَذَا كِتَابُنَا} يعني ديوان الحفظة، {يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ} يشهد عليكم ببيان شاف، فكأنه ينطق وقيل: المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وإثباتها عليكم.
وقيل: {نستنسخ} أي نأخذ نسخته، وذلك أن الملكين يرفعان عمل الإنسان، فيثبت الله منه ما كان له فيه ثواب أو عقاب، ويطرح منه اللغو نحو قولهم: هلم واذهب.
وقيل: الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم، والاستنساخ لا يكون إلا من أصل، فينسخ كتاب من كتاب.
وقال الضحاك: نستنسخ أي نثبت. وقال السدي: نكتب. وقال الحسن: نحفظ.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} الظفر الظاهر.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} يقال لهم، {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} متكبرين كافرين.
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا} قرأ حمزة: {والساعة} نصب عطفها على الوعد، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء، {قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا} أي ما نعلم ذلك إلا حدسًا وتوهمًا. {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أنها كائنة.

.تفسير الآيات (33- 37):

{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)}
{وَبَدَا لَهُمْ} في الآخرة {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} في الدنيا أي جزاؤها {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ} نترككم في النار، {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم، {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}. {ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} حتى قلتم: لا بعث ولا حساب، {فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا} قرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله، لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذرًا ولا توبة.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الأرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ} العظمة، {فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، حدثنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي، حدثنا أحمد بن حفص وعبد الله بن محمد الفراء وقطن بن إبراهيم قالوا، أخبرنا حفص بن عبد الله، حدثني إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما أدخلته النار».